Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

رجاء عليش أو كيف يدفعنا المجتمع على الإنتحار

mourning-death-loveImen Soudani - إيمان السوداني

مثل الموت الحقيقة الثابتة منذ ظهور الإنسان الأول إلا أننا و بالرغم من ذلك الايمان الخالص بتلك الحقيقة لم يتصالح الانسان أبدا مع فكرة الموت ،إنه الفزع الدائم من حتمية المجهول ،او ذلك الاحساس الوجودي الشفاف بأن ذلك الحدث يحصل للآخرين فقط أما نحن فمعافون من ذلك الآن !

إذا كان هذا الاحساس الوجداني بالموت فكيف ستكون انفعالاتنا في حالة الانتحار ؟

في الساحة الأدبية على غرار الحياة العامة أيضاً لم يكن الانتحار حالات معزولة أو شاذة فحسب منظمة الصحة العالمية فان كل 40 ثانية ثمة شخص ما في هذا العالم قد أقدم على الإنتحار !

كذلك عجت الساحة الثقافية العربية بتواتر حالات الانتحار فنجد الشاعر اللبناني خليل حاوي في المقدمة ،و المصرية اروى صالح و الأردني تيسير السبول و الكاتب التونسي نضال الغريبي و غيرهم من الأدباء و الشعراء الذي مثل الانتحار عندهم السبيل الوحيد للاحتجاج "الناجع " .

أما رجاء عليش فقد كان الانتحار عنده يخطو بمسار آخر ،فهو احتجاج من نوع خاص ،احتجاج عن قبح المجتمع و مكينزماته الفتاكة التي تدفعنا في نهاية المطاف إلى التخلي عن فرصة الحياة .

"اصلع الرأس، عملاق الجسد، يخفي خلف نظارته الطبية نظرات موحشة وحزينة. "

هكذا يصف الصحفي مصطفی عبد الله الكاتب المصري رجاء عليش .

لم يكن رجاء عليش كاتبا مشهورا و لم يحظى في حياته او حتى بعد موته باعتراف النقاد أو تثمينهم ، كان شخصية نكرة أقرب الى الشخصيات الأسطورية و ربما هذا السبب الرئيس في أن هنالك اختلافات في تاريخ ولادته و ضبابية في ايجاد صورة واحدة فقط له !

عاش رجاء عليش بعيدا عن الأضواء و منفيا عن كل ذلك الألق الأكاديمي الثقافي ،فقد كان يكتب بنزيف معاناته الخاصة كالذي كان محاطا  بأسوار عالية من الإضطهاد النفسي و العاطفي و الاجتماعي ذلك الاضطهاد النابع من فكرة واحدة فكرة "القبح"

لذلك جاء كتابه معنونا بجملة صادمة "لا تولد قبيحا "

الذي يقول فيه

"أصبحت أؤمن أن القبح ربما كان أفظع العاهات وأكثرها إيلامًا وتدميرًا للنفس الإنسانية على الإطلاق فالإنسان القبيح لا يثير إشفاق أحد من الناس أو إحساسه بالعطف عليه أو الرثاء له.. القبح يستفز مشاعر الآخرين العنيفة.. كل حاستهم النقدية الساخرة، فيوجهونها بضراوة عنيفة ناحية الإنسان القبيح قاصدين إهانته وتدمير معنوياته".

هذا الاعتراف الفج بمأساوية القبح يذكرننا باذواجية المعاملات فللأخلاق معايير جمالية الفكرة التي طالما أمن بها نيتشه من قبل .

يعري رجاء عليش في كل سطر من كتابه "عهر " انسانيتنا ،يضع أمامنا مرآة ثاقبة تنزع عنا كل ذلك الفخر الزائف لموضوعنا الأخلاقي :

هل تعامل المرأة الجميلة تماما كما تعامل المرأة "القبيحة " ؟

هل نحب الرجل الوسيم تماما كما نحب الرجل "القبيح " ؟

هل تتساوى في ذلك المعاملات و الابتسامات و نظرات الحقد و العداوة ؟

لا أريد أن أقدم الإجابة الآن فجميعنا نعرفها .

عاش رجاء عليش حياته وحيدا ،بلا قصة حب ولا اصدقاء وبلا ذاكرة

"أنا رجل تتبعه الضحكات والكلاب.. ضحكات الناس ودعوات الكلاب."

هكذا يصف عليش نفسه و حاله ،هكذا يصف مأساوية القبح عنده .

الأمر الذي دفعه الى قتل نفسه برصاصات في الرأس سنة 1979 من داخل سيارته و في الشارع الذي طالما أحس فيه بالاقصاء و التنمر ذلك الاحساس القاتل بأنك أدنى من ان تكون انسانا و أبعد من أن تغمر بعاطفة الحب أو القبول .

اختار رجاء عليش الرحيل بطريقة مؤلمة تناسب تماما حجم الألم الذي عاشه طوال حياته ليترك لنا اثنين من أهم الكتابات الروائية الواقعية التي تنقل الصدام الحاصل بين الفرد و المجتمع ،ذلك الوصم الاجتماعي الذي ينتهجه المجتمع لكل شخص يولد أو يعيش بطريقة تختلف عن الجو السائد العام .

كتاب "لا تولد قبيحا " و أيضا كتاب " كلهم أعدائي " هو ما أنتجه رجاء عليش في رحلته الشقية في الحياة .

رحل رجاء و في قلبه حلم يتيم بأن ينتقم من كل الذين دمروه و دفعوه إلى ذلك القرار ،قرار الانتحار فقد قال في رسالته الأخيرة

"عشت هذه السنين الطويلة وأنا أحلم بالانتقام من أفراد المجتمع الذين أفلحوا في أن يجعلوني أكفر بكل شيء."

رحل رجاء عليش و رحلت معه أمنيته لكنك لو أطلت النظر فمن حولك فانك حتما ستجد الكثير من رجاء عليش ،أناس لا يبتغون من هذه الحياة سوى أن يعيشوا في سلام ،سوى المحاولة في كل مرة بأن يبقوا على قيد الحياة في أن لا يدفعهم المجتمع على الإنتحار .

إيمان السوداني


رجاء عليش أو كيف يدفعنا المجتمع على الإنتحار