Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

نجمتي الهاربة

mariem-khlifi-romanMariem Khlifi - مـريـم خـلـيـفـي

"مايا لها نهدان شيطانان..

همّهما مخالفة الوصايا

مايا مخرّبة. وطيّبة. وماكرة. وطاهرة.

وتحلو حين ترتكب الخطايا.."

مايا غابة استوائيّة عذراء

أمواج عالية من الشكولاتة السوداء

ترسو على رمال زنجبيّة اللّون

تحرسها جنود القهوة المكلّلة بالياسمين..


مايا خارطة افريقيّة مجهولة

وجه طفوليّ قادم إلى عالم العجائب

عنق مرمريّ شامخ طويل

تطوّقه بحيرات الزّبد

تتخلّله مسالك شهيّة

تنحني بك نحو تفّاحتي آدم

فاكهتا السّلطة منتصبتان خجلا مفترسا

يرتحلان بك نحو بطن هادئ دافئ حنون
مستلق ليضمّ عودتك أيّها الضّال

هناك يتفرّع خصر غجريّة لعوب

لا سلطان يعلو على قوامة الأنوثة الشّرقية

تتلوّى تتكلّم تتسلّط

سوطها ساقان لراقصة باليه

سيفان حادّان ناعمان لبجعة سوداء

يتّصلان بكعب مخضّب بالحنّاء

يرتفع وينحني

ويستدير ليكشف ظهر مايا

أرض سمراء تدفّئها شمس الشّتاء

تبلّلها قطرات النّدى

مطر انسيابيّ لذيذ

يتعرّى من ظلمة العورات

ليعرّي نور وبهاء الجمال الصّامت..

مايا آلهة بربريّة

عمّدت بألحان شرقيّة..


مايا تفتّش عن مفتاح القصيدة

قيّدت عينيها وفتحت قلبها الصّغير

هناك حيث تخبّئ نجمتها دائمة الهروب

يرتكن كرسيّك الخاوي..
إنّها تبحث عن رجال يشبهوك..


مايا تعتكف تحت مطر تشرين بين شفتيك

نائمة على صدرك

مهاجرة إليك

أيّها الوطن بعيد الأقاصي

لترتحل عنك.. نزولا عند رغبتك.. طالبة اللّجوء..


مايا تحتمي بك

ظلّك الفارع يتدفّق حنانا مغريا

مايا طفل تشبّث بقدميك

تاركا حياة أولى وزاهدا في أخرى مؤجّلة

عساك ترضى أن تأوي قلبه اليتيم

لكنّك هجرت؟!


مايا تتعثّر من جديد نحوك

تغزوها سلطة ذكوريّة حامية

تبسط جيوشها مدّا وجزرا

مايا الصّغيرة تتلذّذ بيداك دفئا

أينما وطأت أرضها

كيفما استعمرت أرضها

لتدرك.. كعادتها متأخّرة..

أنّها مجرّد دمية مثيرة

تستباح مقابل إلهام ساديّتك..


لا تكفّ مايا عن الإرتحال

في "المرّيخ كوكب الرجال"

مايا تسدل ضفيرتها على جسدها المعجون بالنّار

تخلّلت أصابعك شعرها

تسلّلت يداك نحوها لتضمّها إليك.

يقينا قاتلا.

مايا تعبد يديك..

لا تستحضر إلّا يديك..

عندما نامت بعمق بين يديك..

عصفورا أرهقه التّحليق

أنهكته أشواك الأغصان

المغروسة في قلبه الطّري..

استيقظت مايا في عشّك

تأنّقت لتتصالح مع الحياة..

فصفعتها عيناك.

بزقتها نظرتك المترفّعة.

مايا مجرّد لحظات متعة

صنعتها يداك.

أعجبك نحتك لطفولة بدائيّة
شكّلتها في أنوثة طاغية

أشبعت شهوتك..

مايا تدخل الموت السّريري

تتساءل لماذا يتاجر بجسدها الطفوليّ؟!

لماذا تباع إنسانيّتها مقابل فيض شهوتك ومائك اللّعين؟!   

جسد مايا يذبل وينحني

يبست سنابل القمح فيه

حرقت أراضيه

طمست جراحه بملح اللاّمبالاة

لا أحد يعلم كم مرّة ماتت وقبرت مايا..

الوجه الصّبوح وقوام الصّبا الممشوق

والأنوثة الطّاغية فكرا وقلبا وروحا وجسدا

ليست إلّا حيرة تخترق ذاتها

بلاد الحرائق.. نيران تلتهم بعضها

غلّ يتآكل كالصّدئ المهجور


مايا تهرب من آخرها..

طفلة فوضويّة لا تكفّ عن الصّراخ المزعج

والخوف الغريب المتقوقع

إنّها ذئب جائع يلتهم جسده

يطعم جسده لآخره

عساه يتصدّق عليه بلحظة سلام

لا ينعم بها..

كم أنت ساذجة يا مايا

سحقتك أنانيّة الرّجال..

مايا تعاقب نفسها

تمارس "وحشيّة على ذاتها وضدّ ذاتها"

مايا تواعدك،  تخونك، تطعنك في كلّ فراش

تندبك وتنوحك

وتجلد ذاتها..

تزورك.. تخاطبك..

تروي لك قصص عشّاقها..

تطعمك مرارة خيباتها..

تتعمّد أن توجعك

تماما كما أوجعها غيابك.

لا اخترته أنت ولا اختارته مايا لك

أوقعته الأقدار.

حفرة عميقة في القلب

زادتها الأقنعة المتكالبة

"وحشة على وحشتها وشوقا على شوقها"..

تضرب لك مايا موعد غرام قدسيّ

بين القبور..

أيّها الأب.

كلمة مزروعة بين الضّلوع

لا تعرف مايا كيف تنطق..

لكنّها تدرك جيّدا أنّها فاتورة باهضة الثّمن.

مدفوعة الحساب منها ومنك.

مايا تكرهك.

فالحبّ في عرف مايا شديد حدّ الكراهية

تجلس مايا قبالة ظلّك المسموم

المغروس أظافر نوّابه والمفوّضين عنه في مملكتك.


مايا لا تلومك ولا تعاتبك

مايا تسخر حتّى من معاتبة الأقدار

التي تتنصّت عليها في كلّ الجوانب والمنعرجات

تترصّد بها لغاية في نفس يعقوب

لتوقعها غرّا بين البراثن..

رجال أم جراثيم؟!

قايضوا مايا أبوّتك..

مايا "تحبّك حدّ التّعب"

لا تملك إلّا أن تقول لك

"وكبرنا.."

عمر مسكوب على عتبات التّجارب   

أيّها الغائب دون عودة

أيّها الوجه مطمور الملامح

لتهمس لك

"وكبرنا.."


قد تعتذر لك..

عمّا فعلته يداك الغائبتان..

قد لا تعتذر لك.

وحدها مايا المذنب والقاضي والمدافع والجلّاد.

كفى بحكمها عليها وعليك.

فأنصت

لما تقول مايا

الرّاحلة عنك دون رجوع

ماضيا وحاضرا و مستقبلا..

لك من مايا قبلة على الجبين صادقة.


أتقرأ ما كتبته لك مايا؟!

مـريـم خـلـيـفـي - مقتطف من كتابها رحيل، اصدرته الشركة التونسية للنشر وتنمية فنون الرسم
نجمتي الهاربة