قد لا يمكن حصر بدايات الفن التشكيلي، فالنقوش الساكنة على جدران الكهوف كانت شاهدة على أزلية الفن وعلى أنه قد لازم الإنسان منذ بداياته. والمدارس الفنية المتعاقبة والعابرة للزمن كسفينة تعبر اليمّ فيتغير ركابها وقادتها عند كل شاطئ ومع لطمات الموج، تحكي تاريخ الفن وقدمه.

لكن يجب أن نشير إلى أن المجتمعات تحفظ دائما تاريخ نهضتها وقطعها لسلاسل التبعية والمحاكاة نحو الانزياح والتجاوز، وما الفن التشكيلي إلاّ مقوما لا يمكن تناسيه من مقومات نهضة الشعوب، فالتاريخ يذكر دائما دور الفن في عصر نهضة أوروبا كعمود وكركيزة وكمحور.

أسميت المقال بصانع الذوق وأنتم كقرّاء ستعلمون سبب التسمية حين إستكمالكم لقراءته. سادتي القرّاء، الكلمات تستفز قلمي دائما ليخطّ لكم وقائع الأشياء المسكوت عنها في بلادنا ، ليطلعكم على مسارب الجمال وليزيح الضباب من على مداخلها لتغدو جلية واضحة أمامكم.

سأتكلم اليوم عن ريشة أبدعت لسنين في إظهار مواطن الجمال وفي ملء العيون بكل روعة وبهاء رغم العراقيل التجاهل والسكوت ... سأفصح بكلماتي التي قد لا تكفي عن أنامل عملت بكل جهد صاحبها على ملامسة كل المجالات فنيا وشكليا ولونيا لتقدم للجمهور أجمل اللوحات وأعمقها وأبلغها رسالة.

بمقولة العظيم "علي الدوعاجي" أبدأ الحديث عن الفن في بلادي : "عاش يتمنّى في عنبة مات علقوله عنقود .. ما يفلح فنان الغلبة كان تحت اللحود."

الفن يا سادتي في أوطاننا إقترن بالذكرى حيث لا أهمية له في حاضره, بل هو منسي ومقبور. أتحدّث هنا عن فنّان تشكيلي تونسي يمثّل الحدث في بلادنا هذه الأيّام, يمثّل شعلة النور في شتائنا البارد الداكن. هو الفنان التشكيلي والرسام العصامي "عبد الرحمان دلدول" أصيل قرية طوزة ولاية المنستير, الشخصيّة المتفردة  والفنان المتميّز الذي شرّف بلادنا في مستهل هذه السنة الجديدة بين المحافل الفنية العالمية والعربية من خلال فوزه بالميدالية الذهبية وتتويجه بلقب أفضل فنان تشكيلي عربي في العالم في اختصاص الفن التجريدي ضمن بطولة العالم للمبدعين العرب لعام 2018.   الفنان "دلدول" هو الفائز بين الفنّانين العرب وهنا وطننا هو الفائز بين الأوطان و علمنا هو الأكثر رفرفة في عالم الفن التشكيلي, في أكثر الميادين رقّة و رقيّ رغم قساوة المشهد السياسي والإجتماعي والإقتصادي.