أصمت لا لغياب حججي , بل ليقيني بأن ّ كلمات العالم تعجز عن جعل غيرنا يحسّ بحبّة رمل من شاطئ الامنا ...

ما يزيد وجعي عمقا هو أن أرى الاخرين يكتمون أناّتهم ,يحبسون عبراتهم , يبتلعون خيباتهم كطعنات سدّدها لهم القدر. قدر قد يبتسم لنا أحيانا و قد يكشّر لنا عن أنيابه التي هرقت دماء ألاف الضّعفاء قبلنا .

لا لست متشائمة ..فأنا أغادر سريري كلّ يوم صباحا , صباح يفترض أن يمثّل بداية جديدة بعد نهاية دامعة , يفترض أن يكون صلحا طال ارتقابه مع ما يدعونه حظّنا .

أليس من الشّجاعة أن تستيقظ و الحال أنّه يوجد ألف سبب يمنعك من مغادرة شرنقتك الفراشيّة: حالة دفئ تذكّرنا بأيام خلت . يوم كنّا في أرحام أمّهاتنا مصونين من كلّ أسباب البكاء ...

في حين أنّك تستجمع قوّتك و تقرّر أن تركّز بصرك على السبب الوحيد الأوحد الّذي يمدّك بالرّغبة في مواصلة الحياة .

بكلّ شجاعة أستيقظ صباحا .

أستيقظ و يموت قلبي مرّة و ألف مرّة بعد أن أستقلّ الحافلة , فأرى وجوها جاهمة , أجسادا متخاذلة ...

هي حافلة ملأى بجثث هامدة لا تملك من لفظ الحياة سوى حاء أرفقت بنقطة سوداء تحتها . نقطة قهر و عجز و بقايا أحلام لم يبق منها غير شتاتها , حافلة في طريقها إلى مقبرة الأحياء الأموات .

ليس في وسعي حينها إلاّ أن أرسم ابتسامة زائفة على وجهي , و في صدري أماني تنتفض و تتخبّط منتظرة لحظة ولادتها القيصريّة ...