Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

لعنة الحب الأول #10

femme-indeciseManel Abdelwaheb Lakhdar - منال عبد الوهاب الأخضر

كانت التاكسي رابضة في إنتظارها... حملت الحقائب و إتجهت نحوها صحبة والدتها.. ها قد وصلتا إلى المنزل... أخذت تبحث عن المفتاح في حقيبتها و لكنّها لم تعثر عليه، كالعادة.... لم تفوّت أمّها الفرصة لتسخر منها و من ذاكرتها التي تشبه ذاكرة السمكة...

من حسن الحظ أنّها تحتفظ بنسخة إحتياطية في حديقة المنزل... فتحت الباب و دلفتا إلى الداخل... وضعت حقائب أمّها في الغرفة التي تخصّصها لها في كلّ مرّة تزورها فيها... كانت بصدد وضع الحقيبة الثانية في مكانها حين خاطبتها أمّها قائلة " أخرجيها فمحتوياتها لا تخصّني بل تخصّك يا إبنتي...

تحوي هذه الحقيبة بعض الهدايا من والدك و شقيقيك.... و هناك أيضا رسالة من إبن أخيك و بعض الأطعمة التي أعددتها من أجلك...  أعلم جيّدا أنّك لا تهتمّين بمأكلك و مشربك كما كنت دوما.. تسرفين فقط في شرب القهوة... مثل والدك تماما... " ، كم أسعدها إهتمام عائلتها بها و خاصّة إهتمام أصغر أفرادها... إبن شقيقها... ذاك الصغير الذي مازال في طور تعلّم الكتابة يجتهد و يكتب رسالة من أجلها... هذه الهدية أفرحت قلبها كما لم تفعل أي هدية تلقّتها في حياتها... لكن أكثر ما أسعدها هو آخر عبارات أمّها" تسرفين في شرب القهوة مثل والدك تماما... " كم يسعدها أن يدرك الجميع أوجه الشبه الكثيرة بينها و بين والدها... تراجعت إلى الوراء و إقتنصت عناقا سريعا من أمّها الحبيبة... بادلتها العناق و همست في أذنها"  لدي الكثير كي أحدّثك بشأنه.. "

هذا ما إنتظرته من زيارة أمّها المفاجئة... فهي بمثابة الكتاب المفتوح بالنسبة لها... بإمكانها أن تقرأ أفكارها بسلاسة و أن تتوقّع ردّات فعلها بكلّ بساطة... فقط لأنّها أمّها... ستحاول أن تتفادى الصدام معها بالقدر المستطاع... طبعت قبلة على جبينها و قالت " من المؤكد أنّك جائعة... سأعدّ لك شيئا من الطعام... إستحمّي و غيّري ملابسك إلى ذلك الحين... سأعود بسرعة..."  شدت أمّها على رسغها و هي تغادر الأريكة... إلتفتت إليها فأشارت بعينيها آمرة إيّاها بأن لا تحاول أو حتى أن تفكر في التهرب من الحديث معها... هذا هو ما وضعته في حسبانها و لكنّ أمّها أسرع بكثير ممّا توقّعته... يبدو أن زيارتها موجّهة لمهمّة معينة و أنّها لن تتراجع قبل إتمامها... أومأت برأسها معلنة رضوخها للأمر الواقع.... ستخوض هذا الحديث رغم ما سيسببه لها من إزعاج و إحراج لها... دلفت إلى المطبخ بسرعة... تناولت كأسا من الماء...

شربته و هيّ تذكّر نفسها بأنّ عليها أن تستعد لمواجهة أمها التي ستحدّثها، حتما، بشأن الزواج... أعدّت بعض الشطائر و طبقا من السلطة الإيطالية سهلة و سريعة التحضير و سكبت كوبين من العصير... وضعت ما أعدّته في طبق كبير للطعام و إتّجهت نحو غرفة المعيشة...بدأ نفسها يضيق فحاولت أن تشحذ إرادتها و تشحن روحها بطاقة إيجابية حتى تتجرأ على مواجهة سيل الأسئلة الذي ينتظرها....أقبلت أمّها فإبتعدت تاركة لها حيّزا للجلوس بجانبها... نظرت والدتها إلى ما أعدّته من طعام... تفحّصته جيّدا و أبدت إبتسامة رضا و كأنّها تقول لها بطريقة مستبطنة أنّها قادرة على تصريف شؤون عائلة و أنّ وقتها قد حان لتنشئ منزلها و عائلتها.... بعبارة أصح... توشك أمّها أن تقول أنّ عليها أن تتزوّج فهي على عتبة العقد الثالث من عمرها... و في نظر أمّها و نظر المجتمع من حولها زواجها أصبح ضرورة ملحّة.... لم تأكل أمّها إلاّ القليل... فهي هنا لتحلّ مشكلة تؤرّقها...  ها قد حان الوقت لكي تواجه غضب و لوم أمّها.... ستطالبها بأن تتزوّج حتى " تطمئن"  عليها... ستطالبها بأن تتزوّج حتى يكون لها أبناء... بماذا ستجيبها حينها؟ لقد ملّت من تكرار نفس الخطاب في كل مرّة... فعلا... لقد سئمت... إنقضت فترة من الصمت القاتل بينهما قبل أن تبادر هي بسؤال أمّها " كيف حال الجميع؟  لماذا لم يرافقوك فقد إشتقت إليكم كثيرا و دون إستثناء..." 

إرتسمت إبتسامة حكيمة على طرف شفتي أمّها و كأنّها تقول " أعلم أنّك مراوغة جيّدة و لكنّك لن تنجحي في الهروب منّي..." ما لبثت أن صاغت إجابتها بذكاء.... لا بل بحنكة لا تقلّ عن حنكة المحاربين.... أمسكتها من كلتا يديها بحنان و قالت " جميعهم بخير و جميعهم يشتاقونك أيضا و يتمنون أن تعودب إلى أرض الوطن.... أن تتزوّجي و تستقرّي إلى جانب عائلتك التي تحبّك كثيرا.... ألم يحن الوقت بعد يا إبنتي؟"  سحبت يديها بخجل و إرتباك و شبكت أصابع يمناها في شعرها في حركة طفولية غبيّة تلجأ إليها كلّما وقعت في مأزق.... نهرتها أمّها" كفّي عن العبث بشعرك و أجيبيني... لهذا السبب أتيت و لن أغادر قبل أن أجد أجوبة تشفي غليلي... فإمّا أن تقنعيني أو أن أقنعك... أخبريني لماذا لا تتزوّجين؟  لماذا ترفضين كلّ من يتقدّم لخطبتك ؟ أتظنّين أنّك لازلت يافعة؟  لا يا عزيزتي أنت ليت كذلك فقد إقتربت من إستكمال سنتك الثامنة و العشرين..... لست أبدا بصغيرة!!! "  لماذا تخاطبها بهذه الطريقة المستفزّة؟  لماذا تحاول أن تثير غضبها؟ لماذا تشعرها بأنّها غير مكتملة مادامت عزباء؟  أتخشى عليها من لقب "عانس" ؟  أتظنّ أنّها بهذا الأسلوب ستقنعها بوجهة نظرها؟  أخذت نفسا عميقا في محاولة عقيمة لضبط أعصابها... حاولت أن تتحكّم في إنفعالاتها بصلابة... فهي في حضرة أمّها و عليها أن تنتقي كلماتها جيّدا.... آخر ما تبحث عنه الآن هو خلاف مع أمّها... طأطأت رأسها و أجابت بصوت منخفض " أمّي سأتزوّج حين يحين الوقت المناسب و حين أعثر على الشخص المناسب"  لمحت شرارة الغضب في نظرات أمّها التي تبدو مصرّة على إحراجها بل على إزعاجها... هذه الأمّ التي تتوق لرؤية إبنتها تتزوّج... تتوق لرؤية أحفاد يشبهونها... باغتتها أمّها و هي تقول بنبرة ثائرة " الوقت المناسب الذي لم يحن بعد و الشخص المناسب الذي لم تعثري عليه بعد... آه يبدو أنّ الوقت لن يحين أبدا و أنّ هذا الشخص المناسب خاصّتك يقيم في كوكب آخر غير الأرض...فلو كان بيننا لظهر... يكفيك أعذارا واهية... لن أسمح لك أن تهدري المزيد من أيامك و أنت تعيشين وحيدة... " يا إلاهي... يا لها من متاهة وضعتها فيها الأقدار مجدّدا... كيف ستتخلّص من حصار الأسئلة هذا و من ما تمارسه أمّها من إبتزاز عاطفي عليها؟ كيف ستقنعها أنّها لن تتزوّج فقط لكي تكتمل صورتها في نظر هذا المجتمع المريض؟  كيف لها أن تتزوّج و هيّ لم تتخلّص بعد من لعنة الحب الأول؟

تركت الأريكة ووقفت قبالة أمّها... في مواجهة نظراتها الحادّة و غضبها الذي لا تعلم كيف ستسيطر عليه حتى تستعيد ودّ المرأة التي أنجبتها و بذلت الكثير من اجلها... هذه المرأة التي لولاها لما وصلت لماهي عليه الآن... خاطبتها و هي تستجدي من اللّغة المساعدة و من الكلمات المدد... " أمّي... أنا أيضا أرغب في أن أستقر و أن تكون لي عائلتي الصغيرة و أن أصبح أمّا... لكنّي لن أتزوّج أبدا لأرضي غيري... حتى لو كنت أنت أمّاه..."

ما هذا الذي قالته للتو؟! يا لها من غبيّة؟  لم تنتهي من تقريع نفسها على هذه الحماقات التي أطلقها لسانها للتو حتى رأت أمّها تستقيم منتصبة القامة... سوّت غطاء رأسها بكلّ عناية و رصانة، رتّبت ثوبها و دخلت الغرفة دون حتى أن تنظر إليها... هكذا هي أمّها... هكذا كانت تعاقبها و إخوتها مذ كانوا أطفالا... تتجاهلهم... لا تبالي بوجودهم و لا حتى بتوسّلاتهم... و ليس هناك عقاب أشدّ و أقصى من اللاّمبالات... ها قد أقفلة " سموّها"، كما يقول والدها الباب و أقفلت معه كلّ إمكانات الحوار بينهما... ماذا عساها تفعل الآن بعد أن أعلنت أمّها غضبها منها بصفة رسمية... ستسعى إلى مصالحتهاو عسى أن يكون الله في عونها فهي تحتاجها أمّها إلى جانبها و ليس ضدّها...

يتبع...
 

منال عبد الوهاب الأخضر
 لعنة الحب الأول #10