Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

شيزوفرينيا #7

manel-abdelwaheb-schizophrenia2Manel Abdelwaheb Lakhdar - منال عبد الوهاب الأخضر


تجمّدت فرائسها و توقّفت جوارحها عن الإنفعال... أيعقل أن تكون الهدية من أمها فعلا؟ هل أخفاها والدها عنها عمدا؟؟... فتحت مغلّف الهدية بيدان مرتعشتان و إذ بها أمام مجموعة من مستحضرات التجميل المصنوعة من زيت الزيتون اليوناني مصحوبة برسالة مكتوبة بخط اليد... كُتبت الرسالة بحروف يونانية مرفوقة ببعض العبارات العربية المتعثرة... لم يعد الأمر يحتمل الشك... إنها مرسلة من قِبل أمها.... رفعت نظرها إلى رأس الورقة فوجدت أن تاريخ الرسالة ليس ببعيد... لقد أُرسلت، و الهدية ، السنة الفارطة... في ذكرى ميلادها تحديدا... وجدت صعوبة في فهم ما ورد في الرسالة فهي لم تزل مبتدئة في عالم اللغة اليونانية...

تحرّكها رغبة شديدة في فهم ما ورد في هذا المكتوب الذي خطّته أنامل أمها... يسكنها حبور شديد، إذ يكفيها أن والدتها قد فكرت فيها و لو كان ذلك لمرة واحدة في حياتها... لم يكن أمامها حل سوى اللجوء إلى المنتدى و طلب العون من روّاده لعلّهم يساعدونها في قراءة مضمون الرسالة... إنتقلت بسرعة البرق إلى المنضدة حيث يقبع حاسوبها المحمول... إنطلقت في رقن نص الرسالة حتى يتسنى لها نشره في المنتدى و طلب المساعدة في فهم ما إستعصى عليها فهمه...

ها أنّ إرساليات المنتدى تعلمها أن صفحتها الشخصية قد حُيّنت للتو... ظلت ساهمة في إنتظار تفاعل أحد الأعضاء مع منشورها دون جدوى... مرّت ساعة و نصف الساعة و هي في حالة إنتظار قاتل... بدأت تغفو قليلا حين فاجأها إشعار آخر ينبهها إلى أن أحدهم قد تفاعل مع منشورها... تسارع نبضها و أصبح صوت دقات قلبها مسموعا... تراوحت التعليقات الواردة بين الإعتذار لعدم القدرة على المساعدة و بين تفسيرات جزئية لنص الرسالة...

أصبحت أعصابها رخوة و بدأ حماسها يفتر... يبدو أنها لن تتمكن من معرفة فحوى خطاب أمها... نظرت في الساعة المثبتة وسط الحائط الماثل قابلتها و إذ بالثامنة مساء تقترب و يقترب بذلك موعد عودة والدها من العمل... هل ستواجهه بأمر الرسالة أم أن عليها أن تتريث؟...

قطع إشعار آخر من المنتدى حبل أفكارها... إنها رسالة وافدة من المسمى "أوديسيوس"... ليست في مزاج مناسب لتبادل المزاح مع أي كان و خاصة مع شخص لا علاقة لها به واقعيا و لا حتى إفتراضيا...
تجاهلت أمر  الرسالة و عادت إلى نفسها تحدثها بما يقلق فؤادها و يشغل تفكيرها بيد أن إشعار آخر قد ورد كي يخبرها أن رسالة ثانية قد وردت من قبل نفس المرسِل " أوديسيوس"... لماذا يصر هذا الرجل على مراسلتها الآن بالذات؟؟!!...

فتحت الرسالة التي كانت في ما يلي " مرحبا بينلوبي، بوسعي مساعدتك في قراءة الرسالة إذا أردت ذلك... لم أترجمها  في خانة التعليقات لأني إرتأيت أن محتواها خاص جدا... إنها رسالة من أمك و لذلك خيرت مراسلتك على الخاص... أجيبي على رسالتي هذه بالموافقة و سيردك رسالة أمك مترجمة للعربية... أعتذر على تطالب مجددا و لكن فقط أروم
مساعدتك"...

ترددت قليلا قبل أن تجيبه بالموافقة... كانت تتحرق شوقا لمعرفة ما في جعبة الرسالة من حكايا... تُراها تعتذر عن غيابها أم أنها تبرر رحيلها اللامشروع؟... لم يطل إنتظارها كثيرا... إذ سرعان ما وردها نص الرسالة مترجما بتمام...

تقول أمها " مرحبا صغيرتي، يعجز لساني عن وصف حجم إشتياقي إليك... أنا على يقين أنك أيضا تشتاقينني بقدر غضبك مني... ربما أنت تتساءلين الآن عن السبب الكامن وراء رحيلي و عن علّة غيابي عنك كل هذه السنوات و عدم محاولتي التواصل معك طيلة السنوات الفارطة... إنها تفاصيل مؤلمة ترهق قلبي

و تذبح روحي و لا أريد الخوض فيها، على الأقل في رسالتي هذه!!...

لقد إخترت ذكرى ميلادك الثلاثين كي أراسلك لأنني أخمن أنك ربما تكونين قد أصبحت أما و ربما أمومتك ستساعدك على تفهمي و ستجعلك تعذرينني

و تستوعبين ألم أم أُجبرت على فراق فلذة كبدها... ليست هذه الرسالة الأولى التي أكتبها لك، و لن تكون الأخيرة... لكنها الرسالة الوحيدة التي وجدت الجسارة لإرسالها... سأنتظر ردك قريبا لعلّ الجفاء بيننا يتحوّل إلى ينبوع لا ينشح من المحبّة... لقد كنت في أثينا الأسبوع الماضي و رأيت أن مجموعة من مساحيق التجميل الطبيعية المستخرجة من زيت الزيتون اليوناني الأصيل ستكون هدية عيد ميلاد مناسبة لكايا الرقيقة... قبلاتي و محبتي...
ملاحظة: أتمنى أن لا يكون مصير رسالتي مكب النفايات"...

الإمضاء: أمك التي لم تنسك البتة " أندريا"....

لم تعِ بنفسها إلا و هي تطمر وجهها بين الوسائد حائرة بين الإستسلام للبكاء الذي يكاد يخنقها و بين إطلاق العنان لمشاعر السعادة التي تدغدغ كيانها... لكن الرسالة تحوي الكثير من الطلاسم التي لابد لها من فهمها.... ستواجه والدها بأمر الرسالة و ستطرح عليه الأسئلة المؤجلة و سيكون عليه أن يجيب.... يبدو أن الليلة ستكون صعبة و فاصلة....


رواية منال عبد الوهاب الأخضر - رسمة شاكر عكروتي
شيزوفرينيا #7