Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

النجوم الثملة

night-love-beachGhada Tawes - غادة طاوس

.. أمسكها من يدها اليمنى و سلمها القارورة بيدها اليسرى .. و صعدا الدرج على أطراف أصابعهما .. كان يلتفت يمينا و شمالا ثم يكمل دورته ليرفع سبابته فوق شفتيه مؤكدا عليها الصمت ... فأومأت برأسها إيجابا .. وصلا حد باب السطح .. فتحه بكل حذر و دخلا السطح محافضين على مشيتهما الغريبة كراقصي باليه .. نزعت يدها من بين أصابعة المبتلة و استلقت على الأرض واضعة بجانبها النبيذ .. لم تلاحظ ازدياد طولها حتى أن فستانها الذي اشترته السنة الماضية أصبح يقف حد منتصف فخذيها النحيفين .. و لم تلاحظ أن أطراف شعرها الذهبية المتطايرة مع النسمات تضفي هالة كبيرة في المكان .. و تزيدها جمالا و أنوثة .. اتجه نحوها بخطى ثابتة و استقى بجانبها و جعل رأسه يلاصق رأسها الصغير و شعره المموج يتطاير مع شعرها الأملس متراقصين .. متعانقين ...


ثم أخرج من جيبه علبة السجائر المهربة و و لاعة مغلفة بصورة علم الوطن .. أشعل السيجارة .. قبلها برقة كأنه يقبل امرأة ناعمة في أول موعد غرامي .. نظر الى السماء لحظات ثم أعاد تقبيلها مرة أخرى .. و كانت هذه القبلة أطول بكثير من سابقتها .. ثم أخرج نفسا طويلا يرحل فيه الدخان من بين شفتيه و أنفه .. و يذوب في الفضاء ...

أخذت رشفة من النبيذ الأبيض كبياض بشرتها الناصعة .. نظرت الى السماء و قالت " ألا تمل النجوم من مراقبة الأرض و من عليها كل ليلة ؟ " هز كتفيه لا مباليا و لم يجب .. صمتت بعض الوقت ثم قالت " أتدري ؟ عندما كنت صغيرة كانت أمي تشير الى السماء و تخبرني بأن هناك توجد كائنات شبيهة بالرضع .. لكل منهم جناحان .. يسكنون السماء .. لا نراهم نهارا .. فقط في الليل .. يظهرون في شكل نجوم .. لأنهم بعيدون نراهم صغارا .. جدا .. و لأنهم خلقوا من نور و لم يخلقوا من طين مثلنا .. نراهم مضيئين هكذا ... يدعون ملائكة " .. ابتسم ابتسامة غريبة و أدار رأسه نحوها ببطئ .. فشعرت بأنفه المعقف يدغدغ خدها الوردي فأغمضت عينيها لتعيش ما تشعره في تلك اللحظة و قد علت شفتيها ابتسامة ناعمة   .. و بعد لحظات عادت لواقعها و أخذت رشفة أخرى من النبيذ و أكملت " كانت تقول لي بأن الملائكة يراقبوننا نهارا و ليلا .. يسجلون لنا كل أعمالنا .. خيرا كانت أم شرا .. يخبرونني ان كذبت علي يوما .. فإياكي و الكذب يا عزيزتي فالملائكة ستخبرني ...
كنت كأي طفلة تغمرها البراءة أصدق كل ما يقال الي..فكنت أخبر أمي بكل شئ .. و أخاف الكذب عليها .. لكني كلما كبرت كلما تقلص خوفي و براءتي .. و ازداد كذبي .. أذكر أول كذبة كانت في الصف الرابع عندما عدت الى المنزل باكية بعدما سمعت زميلي الذي أحببته يعترف لطفلة أخرى بحبه و يغرقها رسائل حب من قبيل .. " أنا أحبك جدا و أغار كثيرا عندما يوصلك ذلك الولد الى منزلك ، و يجلس بجانبك في القسم و عند الراحة تتقاسمان لمجتكما سويا .. أنا أحبك جدا و أريد أن أتزوجك " ... فضحكت  من قلبها ثم أكملت " أتذكر أنني عشت أسبوع دمار كانت في مخيلتي صورتهما سويا هو ببدلته السوداء و هي بفستان الزفاف الأبيض .. كانت أمي تسألني عن سبب بكائي فتعللت بأن لدي أوجاع بمعدتي .. و قد تغيبت يومين عن المدرسة كنت أضن أن في تلك اليومين سأنساه .. و كذبت عندما نفيت أنني قصصت حزام الأمان الخلفي بسيارتنا .. كانت دوما تحرص على أن أضعه .. لكنني لم أكن أحبه .. كان يكبلني يعجزني .. و أنا أعشق الحرية .. أتذكر أيضا أول صفر أخذته في الرياضيات .. أخبرتها بأنني أخذت صفرا .. أمامه واحدا ..

أتذكر أول سيجارة اعترضتني أمام منزلنا .. أخذتها أشعلتها في مثل هذا السطح و عندما سألتني عن سبب صعودي السطح في وقت متأخر أخبرتها أنني صعدت لأتأمل " الملائكة " أذكر أنني سألتها عندها .. " ألا تنام الملائكة ؟ فأجابت مبتسمة " لا ، انهم يحرسوننا صباحا مساء .. ان نامو فكيف سيسجلون أعمال من لا ينامون ؟ " فأضفت " ألا يأكلون .. ألا يشربون ؟ "  قالت " نعم يأكلون و يشربون مما نأكل و نشرب لكننا لا نشعر بهذا ..". كنت أدري أن أمي تريد أن تصنع مني فتاة صادقة دون تخبرني بأن الله سيعلقني من أهدابي و يصليني نارا ان كذبت كما يقول الأغبياء .. فضلتني أن أكون صادقة بأسطورة كاذبة .. أسطورة جميلة .. لكنها في الأخير كاذبة .. لكني مازلت أساير أمي .. و مازلنا نكذب و نقول أن النجوم تراقبنا .. لكني أحب هذه الكذبة .. بل أحيانا أنسى أنها كذبة و أتحدث مع النجوم و آكل و أشرب لأطمئن عليهم .. أتدري ؟ أظن أن النجوم قد ثملت ! .. " انفجرا ضحكا فجأة .. و بعد انخفاض قهقهتهما قليلا .. أمسكت قارورة النبيذ و رفعتها عاليا و هي تصيح .. " أيتها النجوم الثملة .. أتريدين مزيدا من النبيذ ؟ "

غادة طاوس

النجوم الثملة