Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

الغرفة عدد 4

depressive-darkSouhaila Faleh - سهيلة الفالح

أصابني صداع شديد، لم أستطع بعد التحكم في نفسي، تقيأت، نهرني الحارس و قال بعض الكلمات المسمومة، لم تكن مسمومة بقدر الوجع و الدوران الذي تملكني، لو كان بمقدورنا أن نتقيأ بعض الألم أحيانا لكنا بأفضل حال،لم أتعود بعد على ركوب السيارات مسافة طويلة و خاصة إن كانت سيارة مغلقة لا ينفذ الهواء إلى داخلها، سجنوني و منعوني حتى عن الهواء، طلبت من الحارس بكل رفق أن يزيح بلور السيارة قليلا حتى أستنشق القليل من الهواء و أستفيق قليلا من الدوران، أزاحه قليلا قائلا " من يخطئ يدفع الثمن" .

حقاً من يخطئ يدفع الثمن، الكل يخطئ لكن يدفع الثمن إلا من كان لا يملك إلا دعوات أمه و حب أبيه و لا يملك طائلا من المال حتى يُغفر ذنبه و كأن شيء لم يحدث...الطريق طويل،طويل جداً، أعرفه أعرف هذا الطريق جيدا، يلوح لي عن بعد بناية بيضاء مسيجة وحيدة، مسجونة كمن يسكوننها، على الطريق لا يوجد إلا شجيرات زيتون، حُكم عليها بالسجن أيضاً في هذا المكان القاحل، الجاف، الموحش، بناية وحيدة في أرضٍ لا تستطيع أن ترى حدودها، شاسعة و مخيفة، لا أدري ما الذنوب التي تلحق بمن قرر بنيانها هنا، تفنن في تعذيبنا و في تعذيب أهالينا، تسائلت في داخلي أ كانت أمي قادرة على المشي كل هذه المسافة الطويلة و هي تحمل "القُفة"، كنت أحاول أن أتأمل الطريق لكني تألمت لمشاهدته بدل التأمل، الدوران لم يذهب في حال سبيله بعد،سيكون رفيقي هاته الليلة.  

وصلنا، فُتح الباب الخلفي، يداي مكبلتان، نزلت وددت أن أنظر السماء من خارج الأسوار لكني كنت داخلها، تمنيت لو قطعت كل تلك الطريق الطويلة التي تأدي من الطريق الرئيسي إلى السجن حتى أحس بنفس الألم الذي تحس به أمي أو أخي أو أختي حين يأتيان لزيارتي...

الغرفة 4، هكذا كُتب أعلى الباب الحديدي الأزرق الموصد،   في البداية كنت أظن أنه عدد ترتيببي لجودة الغرف، لكن بعدها علمت أن كل الغرف سواسي و هذا العدد ماهو إلا لتسهيل تسيير الأمور الإدارية للسجن. ولجت من الباب الحديدي، الغرفة مليئة تفوح وجعا و ألمًا. مؤلم ان تتواجد في مكان لا تختار فيه جليسٍ و لا مأكل و لا تتحرك بحرية  لأن الغرفة مليئة و الأسرة مليئة، أحيانا ننام إثنان في سرير واحد، ننام رأيت على عقب لكننا لا نشكو أبداً، الألم الذي بداخلنا أكبر بكثير من الألم الخارجي...

رحب بي متساكني الغرفة عدد 4، أرشدني أحدهما على سرير شاغر، جلست لأرتاح قليلاً من الدُوار لكنه أبى أن يغادرني قمت بنزع الحزام من السروال و أحطت به رأسي، هكذا كانت أمي تفعل حين أصاب بالصداع، لكن بدل هذا الحزام كانت أمي تشد رأسي بوشاحها و أنام لأستيقظ بعدها معافى تماماً، رائحة أمي كانت الدواء و ليس الوشاح و لا الحزام...

نمتُ على أمل أن أجد كل ما مر بي كابوس...

بقلمي و بقلبه

سهيلة الفالح


الغرفة عدد 4