Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

ركين #41

manel-abdelwaheb-rakinManel Abdelwaheb Lakhdar - منال عبد الوهاب الأخضر


ترك الغرفة دون أن يلتفت وراءه...ربّما لأنّه لم يستوعب بعد ما حدث... فعقله، كما قلبه، عاجزان عن التأقلم مع الحقائق التي إنكشفت في هذان اليومان العصيبان... غريبة هي الحياة... نهديها باقة ورد فتكافئنا بدرب مزروع بالأشواك...

لقد أراد أن يعرّف أمّه، أو تلك التي خالها والدته، على ركين قصد منح علاقتهما طابعا رسميا...فما هاله هو أنّ تلك يهواها و يشتاق وصالها لا تجوز له... إنّها أخته بالرضاعة...ترك الغرفة دون ينظر إليها حتى... لم يفعل ذلك لأنّه لو فعل لكانت تلك نظرة الوداع... و هوّ يكره الوداع بكلّ أشكاله لأنّنا نكون دائما مجبرين عليه... لم ينظر إليها لأنّه يدرك جيّدا أنًها تعني ما تقوله...يدرك جيّدا أنّها راحلة لا محالة... خرج إلى الفناء...

تلفح وجهه نسمات باردة تحاول إيقاظه من ذهوله...تؤنس وحدة روحه أعقاب سيجارته التي توشك على الإندثار شأن قلبه الواقف على حافة الإنهيار...أمّا هي فلم تكن أقلّ ألما منه... و لكنّها كانت تقاوم و على كبريائها تحافظ...فقد رأت من الحياة ما رأت و لم تركع... و لن تركع الآن بعد ما مرّت به... إذا كانت الحياة قاسية عليها، ستكون رحيمة بنفسها... ستسند نفسها بنفسها و تمضي قدما في رحلة العمر المتعبة... أسندت رأسها إلى النافذة بعد أن شدّت الستار قليلا حتى تتمكّن من رأيته، و كم أزعجها أزيز الستار و هيّ تشدّه... نظرت إليه و هو يصارع أحزانه و سألت نفسها " هل يحقّ لي أن أنظر إليه، أن أشتاقه و حتى أن أتذكّره؟"... لم تدرك إجابة عن هذا السؤال الذي عمّق جرحها أكثر فأكثر...عادت بها الذاكرة إلى اليوم الثاني من زواجها حين وقف رجب أمامها ،ببرنسه الأسود سواد نفسه المفطورة على الأذية و عمامته البيضاء التي لا تخفّف من وطأة ذاك السواد، صارخا في وجهها بأنّه ليس من حقّها حتى أن تتنفّس دون إذنه...تذكر جيّدا الإحساس بالمذلّة الذي رافقها طوال السنتين اللّتين بقيت فيهم زوجة لذاك الرجل المثير للإشمئزاز... هي تشعر الآن بالأسى... تتألّم لما حلّ بها و لكنّها على الأقل لم تعد رهينة أي كان... هي صاحبة القرار و حتى إن كان القدر يقف عثرة في طريقها، فستغيّر الطريق و لكنّها لن تتنازل عن حقّها أن تكون كما ينبغي لها و كما تودّ و تستحقّ أن تكون....


مضت الليلة عصيبة كما كانت ساعات النهار... و ما إن حلّ الصباح حتى سارعت ركين إلى سيارتها و هيّ تجرّ حقيبتها محاولة أن لا تثير حولها ضجّة تنبّه حليمة إلى رحيلها... و قد كان لها ما أرادت... فالمسكينة حليمة أنهكها التعب فنامت قبل خروج ركين بقليل... لم تتنبّه حليمة و لا جميلة و لا حتى الخدم إلى رحيلها... وحده آسر الذي كان يراقب خطواتها الراحلة.... كان يذكّر نفسه مع كلّ نفس يجذبه من سيجارته أنّ هذه المرأة تكون أخته بالرضاعة و أنّ مجرّد التفكير فيها أو الشعور بالألم من أجلها لا يحقّ له.... و قد كانت بدورها تمنع نفسها من الإلتفات إلى الوراء... و تذكّر نفسها بأنّ لا حظّ لها هنا... في قرية كفّ الصبيّ... و لا حظّ لها مع الحب... ستعود إلى سابق عهدها.... تعمل و تعمل و تعمل... تسافر من مكان إلى آخر... دون أن تتعلّق بأي من هذه الأمكنة... ستضمّد جرحها و تشدّ أزرها كما إعتادت... يكفيها أن عودتها إلى القرية أنتجت بناءها للمدرسة التي ستغيّر مسار حياة العديد من الفتيات... إمتطت سيّارتها و إنطلقت في طريقها نحو العاصمة بعد أن كانت قد إتّصلت ليلا بالدكتورة سعاد و أعلمتها بآخر المستجدّات طالبة منها الإهتمام بشؤون المدرسة بعد رحيلها....

و كعادتها، لم تفعل سعاد سوى أن تفهّمتها و إستمعت إليها حتّى النهاية.... لذلك هي تحبّ هذه المرأة التي إحتوتها و كانت سندا دائما لها.... توقّفت عند أوّل إستراحة مخصّصة للمسافرين حتى تستحي قهوة تعينها قطراتها على تعديل مزاجها المتمرّد...  إتّخذت لنفسها ركنا قصيّا من مشرب الإستراحة و أخذت تترشّف قهوتها محاولة أن تنسى كلّ ما حدث و أن لا تفكّر في ما سيحدث لاحقا....و دون إختيار منها، وجدت قافلة الذكريات تسير بها في إتّجاه الماضي... و تحديدا في إتّجاه اليوم الذي بعث فيه الله الدكتورة سعاد إلى مركز الرعاية الإجتماعية الذي لجأت إليه بعد هروبها من سجن رجب... تذكر جيّدا أن وصول الدكتورة سعاد قد تزامن مع مرورها بأزمة عصبية كانت تعاني منها من حين إلى آخر... و في ذاك اليوم بالذات كانت قد تلقّت رسالة تهديد من طليقها... ليس هذا فقط... ففي نفس اليوم جاءها الردّ على رسالة كانت قد أرسلتها إلى عائلة والدها تطلب منهم العون... فكان الردّ صادما بالنسبة إليها....ردّ قاسٍ... هذا أقلّ ما يمكن أن يقال عنه... و نتاج كلّ الضغط أن أصابتها أزمة عصبية جعلتها تعود إلى وضع الجنين كما لو أنّها ترفض إستيعاب ما يحدث معها... وقتها قرّرت سعاد أن تبدأ جلسات علاجية مكثّفة و من ثمّة جاء قرار إنتقالها للعيش معها كإبنة لها.... أعادها ضجيج السيارات المارة إلى أرض الواقع لتذكّرها عقارب الساعة بأنّ عليها أن تستكمل الطريق نحو العاصمة و هذا ما فعلته... في ذات الآن كان آسر قد سلك طريقه و لكنّ وجهته لم تكن العاصمة بل كانت منزل رجب... لقد آن أوان المواجهة لا محالة....


منال عبد الوهاب الأخضر

Saveركين #41