Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

ركين #40

manel-abdelwaheb-rakinManel Abdelwaheb Lakhdar - منال عبد الوهاب الأخضر


مرّت ساعة و نصف الساعة لم يتحرّك فيها آسر من مكانه و لم تبرح خلالها دموع جميلة خديّها.... لم تشأ البتّة أن تكشف له هذه الحقيقة المؤلمة و لكنّ سوء ظنّه بها أجبرها على ذلك... ترك الأريكة و إستقام واقفا أمامها لكنّه سرعان ما ركع جاثيا على ركبتيه...راميا رأسه في حجرها...باكيا، طالبا السماح...

لم تفعل سوى أن مرّرت أصابعها على شعره و ربّتت باليد الأخرى على كتفيه دون أن تنبس ببنت شفة...في الطرف الآخر من ذاك البيت الكبير، كانت حليمة تتوسّل ركين أن تفتح باب الغرفة الذي أوصدته على نفسها منذ ساعات...أوصدت الباب و إتّخذت طرف السرير ملجأ لها... ضمّت ركبتيها إلى صدرها و أخذت تبكي في صمت... أما آن للقدر أن يتركها و شأنها؟... أما آن للطمأنينة أن تجد طريقها إليها؟....

عادت بها الذاكرة إلى اليوم الذي وجدت نفسها فيه عروسا لرجل ضخم الجثّة... يفوقها سنّا بأكثر من ربع قرن... أغمضت عينيها في محاولة يائسة  لدفع طوفان الذكريات بعيدا و لكنّها لم تستطع فعل ذلك... رفعت نظرها نحو المرآة فوجدت نفسها ماثلة أمام ركين الصغيرة، ذات الستة عشرة ربيعا، في ليلة زفافها المشؤوم... رأت نفسها في ذاك الثوب الأبيض المطرّز الذي كان ثقيلا على جسدها الضئيل كما تكون الذنوب ثقيلة على كاهل صاحبها...رأت نفسها و هي تتأمل كفيها المضرّجين بالحنّاء... كم تكره صورتها تلك و كم تكره شعرها الطويل الذي لطالما تغزّل رجب به... أغمضت عينيها مجدّدا تدرأ عنها تلك الصورة التي ما إبتغتها لنفسها يوما....

و في الخارج كانت حليمة مرابطة أمام باب الغرفة...يكاد الشعور بالذنب يقتلها... يكفي أنّها وافقت جميلة على هذه الكذبة و هي تعلم أنّ هذا الإنكسار كفيل بأن يُحيل فؤاد ركين إلى حطام هذه المرّة...إنتظرت كثيرا أن تفتح ركين الباب و أن ترتمي في حضنها و لكنّها لم و لن تفعل.... كان البيت كئيبا حال أهله... حتى مدى التنفّس كان ضيّقا... حتى أمل الصغيرة التي كانت نائمة إستشعرت هول ما يحدث و إستيقظت من نومها باكية... و كان بكاؤها كلمة العبور التي جعلت ركين تترك غرفتها... فتحت الباب راكضة نحو غرفة أمل دون حتى أن تنظر إلى جانب الباب، حيث كانت حليمة قابعة.... يبدو أنّها تدرك جيّدا أنّ هذه الأخيرة شريكة في ما حدث...وصلت غرفة أمل التي كانت قد توقّفت عن البكاء لأنّها لم تبق وحيدة طويلا...فقد وصل إليها آسر قبل أن تصل ركين... و ما إن إلتقت نظراتهما الحائرة حتى إزدادت حيرة قلبيهما.... إضطربت حركاتهما و تضارب نبض كل منهما... حاولا الحفاظ على تماسكهما... إقتربت ركين من سرير أمل التي أوشكت على العودة إلى النوم مجدّدا...

جلست إلى جانبها تداعب وجهها الصغير بأطراف أناملها إلى أن نامت أخيرا... و حين همّ آسر بالخروج، إستوقفته كلماتها " لقد قرّرت الرحيل في غضون يومين أو ثلاثة أيام على أقصى تقدير.... أما أمر المدرسة فسأوكله للدكتورة سعاد... أمّي الروحية...." وجد نفسه  حائرا كالريبيين، بين بين....أجل.... إنتابته حيرة بين أن يحيي فيها هذه الجسارة التي جعلتها تحسم أمرها بهذه السرعة و بين أن يستوقف نفسه قليلا حتى يستوعب أن المرأة التي كانت حبيبته قبل سويعات مضت، أصبحت غريبة عنه بعد أن إتّضح أنّها أخته بالرضاعة... أخته التي لن تكون أبدا كذلك... ليس فقط ذلك بل هي أيضا زوجة أبيه البيولوجي... هل من العدل أن يحدث كلّ ما يحدث معه؟ هل من العدل أن يجبر نفسه على تجاهل أمر رحيلها ؟... من المؤكّد أنّه ليس عدلا و لكنّه ما يجب أن يحدث... إلتفت نحوها بكلّ ثبات... ثبات يضاهي ذاك الذي إرتدته عباراتها حلّة ثمّ قال " حظا وافرا في مكان آخر لي و لك... أنا أيضا راحل لا محالة...لكن ليس قبل أن أحلّ بعض الأمور العالقة..."...  و هذه الأمور العاقلة كان حلّها يحتاج مواجهة عاجلة بين الأب و إبنه.... بين آسر و رجب....

 
 

منال عبد الوهاب الأخضر
ركين #40