Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

اليتيمة #2

souhaila-faleh-roman-orpheline-tunisieSouhaila Faleh - سهيلة الفالح

بعد مرور سنة تقريبا عن زواجها، رزقت مريم بابنها ريان الذي خفف وجوده عنها الكثير ، لكن من فارقه والداه سيظل يعاني دائما حتى يلحق بهما و يجتمع معا في النصف الآخر من الحياة، رزقت بمجيء ابنها و حزنت لرحيل زوجها، هكذا الموت لا يعطي أي تأشيرة قبل أن يخطف لنا أحبتنا، يفتكهم من بين أيدينا و لا نستطيع فعل شيء، لا نريد أن نتقبل الأمر في البداية لكن بمرور الوقت، يصبح الأمر معتادا لكن ألم فقدانهم سيظل كاللعنة تلحقنا مهما حاولنا نزعها، يبقى مكانهم في قلوبنا و بيوتنا تنقصهم، الموت يا صديقي قدر، أبشع قدر ، أحيانا نتسائل لماذا لا نموت نحن و أحبتنا في نفس اليوم حتى لا نشعر بالموت عدة مرات، مريم فقدت والديها ثم زوجها، لعنة حلت بها و لم تريد أن تفارقها، فالحب لا يأتينا إلا من طرف الأشياء الجميلة، فمريم أحبتها لعنتها و بقيت وفية لها.

بقيت تمسح الماء حتى لا يلحق بابنها حتى انقطع المطر، تنفست الصعداء و حضنت صغيرها بعد أن أغلقت باب بيتهما و وضعت الفراش، و بدأت تلعب بشعره و تروي له قصة حتى أخذه النوم و ككل ليلة أخذت تتمعن في تقاسيم وجه ملاكها الصغير و تسأل حالها هل ستكون قادرة على أن توفر له عشائه غدا حتى أخذها النوم هي أيضا.

في الصباح، أخذت ريان إلى المدرسة التي لا تبعد عن المنزل كثيرا، و ذهبت إلى المقهى المجاور تنتظر صديقتها التي وعدتها بأن تجد لها عملا بعدما طردت من عملها السابق، جلست في مكانها المعتاد ،هناك في ركن منزوي

في المقهى بعيد عن الضجيج و الثرثرة تستمع لأغانيها المفضلة المنسية ، تستمتع برائحة القهوة التي أصابتها بالنشوة و أخذت تتفرص وجوه الجالسين من بعيد كمذنب ،كمجرم يشاهد وجه قتيله أينما نظر ،كسجين حكم عليه مؤبد و هرب و هو يرى الشرطة تلاحقه في كل مكان حتى في أحلامه ،كثكلى ترى وجه فقيدها في كل الوجوه ،كانت ترى وجهه في كل وجه تراه و تلمحه حتى انها تبقى شاردة في كل الوجوه حتى يخيل للناظرة إليه أنها تريد الحديث معه أو أنها تعرفه ،لكنها كانت في عالم غير عالمهم ،بعيدة عنهم كل البعد ،ترسم ملامحه في الفضاء و تركز على حاجبيه و عينيه التي طالما قبلتهما و لعبت بشفورهما ،كانت فارغة من كل شيء إلا من الشوق الذي تمكن بها و لم تجد لذلك سبيلا فلا الصراخ أجدى نفعا و لا الصمت نفع ،كانت جالسة تحتسي قهوة مرة كمرارة حلقها  أصبحت كتلة من الصمت و ليست عشرينية ،تنظر إلى كل الوجوه العابسة منها و المسرورة ،كلهم كانوا رفقاء إلا طاولتها جلست عليها يتيمة لا أحد يواسيها و لا يمسح لها دمعها و لا يضحكها ،كانت كآخر ورقة في شجرة في فصل الخريف آملة أن يأتي الربيع ليأتي أحبتها ،الشجرة كانت تنتظر الربيع الذي سيأتي حتما و هي كانت تنتظره و لن يأتي أو ربما يأتي متأخرا يعد سقوط الورقة ...هي هكذا أحيانا يخيل لها أن أبو ريان لم يمت بل هو هنا قريبا منها في مكان ما ...

يببع

سهيلة الفالح

اليتيمة #2