الدّيمقراطية هي الحل

ecosse-referendumكلمة لبيرم الزواري - Edito par Bayrem Zouari


منذ و قت ليس ببعيد سقطت الإمبراطورية البريطانية و خسرت إن جاز التعبير هيمنتها على العالم و ها هي اليوم انحسرت في جزر بريطانيا ( المملكة المتحدة و جمهورية ايرلندا) و هذه طبيعة الحضارة التي لها عمر ينشأ بالمولد مرورا بالفتوة ثم الشيخوخة فالموت

و يكفي قراءة ابن خلدون عن نشأة الحضارة و اندثارها للإلمام بمقوماتها و أسبابها فلسخرية الأقدار يعلّمها ابن خلدون منذ القرون الوسطى و لم يستطع أن يستسيغها العقل الإسلامي و العروبي الوحدوي في الالفية الثانية من زمننا الحديث

أكتوبر 2012، تفاجأ البريطانيون بالاسكتلنديين يطالبون باستفتاء محوره استقلال اسكتلندا التام عن المملكة المتحدة ( انڤلترا، اسكتلندا، ويلز و ايرلندا الشمالية) بالرغم من استمتاع الأسكتلنديين بحكم ذاتي و برلمان مستقل، فمنذ 1999 تمت أول انتخابات اسكتلندية مستقلة عن المملكة المتحدة بعد أن كانت مجرّد ولاية منذ 1707و يتبادر إلى ذهني على سبيل المقارنة الإبادة التي قام بها صدام حسين للشعب الكردي عندما طالبو بحكم ذاتي فلم يتوانى الديكتاتور عن خنق و اغتيال 180000 مدني كردي بالغاز بمدينة حلبجة السادس عشر من مارس 1988...

الفروق و اضحة و جلية بين سعة و إنسانية الديمقراطية و دموية و همجية التسلّط و فاشية الدكتاتور و الحزب الواحد لكن ثقتي في القيم الديمقراطية إهتزت حين دقت طبول الحرب بين اكرانيا و روسيا على غرار انشقاق القرم و انضمامه إلى روسيا عن طريق استفتاء قيل أنه ديمقراطي فاندلعت أعمال العنف بين الدولتين و أوجس كل العالم خيفة من عواقب هذه الأحداث التي قد تودي إلى حربٍ عالمية ثالثة و شخصيا تساءلت فهل من حق القرم في اختيار مصيرهابكل ديمقراطية ؟

و هل من جهة أخرى من حق الدولة الأكرانية تجنيد شعبها لحماية وطنها و تماسك و حدتها؟ إختلطت الأوراق و المفاهيم لدي و تضاربت الأراء من حولي بين منحازٍ إلى روسيا مدافعا عن حقها في التوسّع و استرداد أراضيها التي كانت تحت الاتحاد السوفييتي إلى حدود روسيا القيصرية و بين من ينحى منحى الدول الأوروبية و أمريكا التي شككت في ديمقراطية الإستفتاء و اعتبرت ان هناك اختراق روسي للدولة الاكرانية و محاولة تفكيكها من الداخل لذلك قد يظن البعض (أو الأغلبية في البلدان الإسلامية) أن الديمقراطية هشّة و ليست إلا غشاء يغطي أطماع و إمبرالية الغرب أو كما عرّفها تحفة زمانه و أضحوكة شعبه الديكتاتور المُغْتال معمر القذافي بعبارة "ديمو كراسي"*

 



لكن أحداث الإستفتاء و ما حدث بين انڤلترا و اسكتلندا جعلني أسترجع ثقتي في أن الديمقراطية هي الحل للرقي بالشّعوب وحكوماتها فقد لقنو درسًا لكل من يشكّك في عظمة الديمقراطية و ما وصلت إليه من التحضر و الرقي التي أُشبع بها الشعب البريطاني عامة و نخبه بالخصوص ففي نفس الاثناء التي يقتّل و يرهب الإسلاميون الأبرياء العزّل و يضطهدون الأقليات لكي يسترجعو أمجاد امبراطوريتهم المفقودة تحت راية الخلافة، تقام الحوارات و المناقشات في لندن و إدنبرة بين مساند و رافضٍ لاستقلال اسكتلندا فلم تراق قطرة دم واحدة و لم نرى تخوين أو رمي بالعمالة لأي كان،

نعم لقد فقدت إنڤلترا امبراطوريتها فهل أفرخت إرهابيين من صُلبِها كي يسترجعو الأمجاد؟ أو اتّهمت أمريكا بالاستيلاء على ممالكها بعد إن كانت ضمن مستعمراتها و استقلّت بدورها عنها في الرابع من جويلية 1776 فلماذا لم يتم الاعلان عن الجهاد ضد الامريكان ؟ أين نظريات المؤامرة كالتي تملأ اعلامنا في تونس و في البلدان الإسلامية؟ لماذا لم نرى البكاء و العويل على أطلال الماضي كما لم يفتأ العرب و المسلمون يتباكون و ينحبون سقوط خلافتهم.

اليوم و عندما صرّح رئيس الوزراء البريطاني دافيد كامرون "رغم أن نتيجة الإستفتاء كانت في صالح الوحدة ستقوم المملكة المتحدة بتعزيز إستقلالية البرلمان الأسكتلندي"، صنعت بريطانيا التاريخ و علّمتنا أن الأمجاد لا تصنع أو تقاس بكبر المساحة على الخرائط أو الثروات بل برقي و مدى تحضر الشّعوب فمتى يفهمها العقل العربي و الإسلامي المتبلّد؟

كلمة لبيرم الزواري


الدّيمقراطية هي الحل